الثلاثاء، 12 أبريل 2011

إسعاف النشاشيبي




 
                                          




ولد إسعاف النشاشيبي في القدس سنة 1885، درج في بيت جليل بعلمه وثرائه وحسبه ومكانته، قيل إن جده الأكبر قدم إلى بيت المقدس في عهد الملك الظاهر بيبرس، ونسبت الأسرة إلى صناعة النشاب التي كانت تمتهنها. أما والده السيد عثمان بن سليمان النشاشيبي فمن أبرز رجالات عصره ذكاءً وعلماً وبسطة حال، تقلب في مناصب الدولة العثمانية حتى أصبح عضواً في مجلس المبعوثان في الأستانة، ووالدته ابنة الحاج مصطفى أبو غوش الملقب بـ(ملك البر) في جبل القدس وابنة عمة أبيه عثمان.
نشأ إسعاف في بيت حصنه العلم والمال، فكانت تنعقد حلقات الدرس في بيت والده، وتضم عدداً كبيراً من أعيان العلماء المقادسة والوافدين أمثال: أسعد الإمام وراغب الخالدي ومحمد جار الله وغيرهم، وكان هؤلاء يتقارضون الشعر ويتذاكرون الأدب ومسائل الفقه، ولعل النشاشيبي ارتاد الحلقة مراراً، وسمع نوادر اللغة والأدب، ورأى الكتب النفيسة في خزائن والده وخزائن الشيوخ.
التحق إسعاف بكتاتيب القدس، وأخذ عن شيوخها وحفظ بعض القرآن الكريم، بعدها التحق بمدرسة دار الحكمة في بيروت وتتلمذ على يد كبار الأساتذة خاصة الشيخ عبد الله البستاني الذي تأثر به وطبع بطابعه اللغوي، ويتجلى ذلك في أسلوبه الأدبي.
وقد أتيح لإسعاف في بيروت وبيت المقدس أن يزامل ثلة من أعلام اللغة والأدب والفكر أمثال شكيب أرسلان وأحمد شوقي والسكاكيني وحنا العيسى وعبد العزيز شاويش، كما ألم بالفرنسية إلماماً حسناً أعانه على قراءة بعض الكتب العلمية والصحف.
اشتهر النشاشيبي بكنيتين ولقبين، فهو أولاً أبو الفضل، وهي كنية بديع الزمان الهمداني، وإنما تكنى بها إسعاف لتعلقه به ونسجه على منواله في مقاماته، وهو ثانياً أبو عبيدة، ولعلها اقتداء بأبي عبيدة معمر بن المثنى اللغوي الأخباري المشهور، وإسعاف أديب العربية وخطيب فلسطين، لأنه أخذ على نفسه عهداً بالدفاع عن العربية بأسلوب حماسي يعتمد الخطبة.
عين النشاشيبي في المدرسة أو الكلية الصلاحية أستاذاً للغة العربية ـ وهي مدرسة أسسها السلطان صلاح الدين الأيوبي في القرن السادس الهجري، وجددها القائد التركي أحمد جمال باشا، وجعلها معهداً علمياً دينياً تدرس فيه العلوم الإسلامية والحديثة ولغتا التدريس فيه العربية والتركية، كذلك كانت تدرس فيه اللغات الأجنبية كالفارسية والإنجليزية والفرنسية والألمانية، والهدف من إنشاء هذه المدرسة إعداد جيل من المبشرين والدعاة لإرسالهم فيما بعد إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي لتحريض شعوبه على الثورة على الاستعمار الأوروبي، لكن لم يطل عمرها أكثر من سنتين ـ كما وعين إسعاف مديراً للمدرسة الرشيدية ـ التي تأسست عام 1906 في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى أحمد رشيد بك متصرف القدس، وتعتبر من أحسن المدارس الحكومية في فلسطين، وكانت أولية وفيها قسم ثانوي، ثم زاد التعليم فيها عن الثانوي إذ صارت تؤهل خريجيها الحاصلين على شهادة الثانوية العامة لدراسة الطب والهندسة بدراسة مواد خاصة تحضيرية قبل الالتحاق بالجامعات، وما لبث حيناً فيها حتى صار مفتشاً للغة العربية في فلسطين حتى عام 1929، حيث انقطع للقراءة والكتابة والرحلات إلى مصر والشام.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق